#.. طــفولة(2)الحبيب ..#
هاهو ذا النبي صلى الله عليه وسلم قد عادت به حليمه بعد حادثة شق الصدر
( سأذكرها لكم لاحقاً )
في مبتدأ سنته الخامسه , وقد شب عن الطوق , وقوي جسمه , وغلظ عوده ,
وبلغ من النضرة وميعة الصبا مالم يبلغه صبي في مثل عمره ,
* في كفالة أمـــــــــه *
وقد عاش في كنف الأم الحنون , وأضحى هو كل شيء في حياتها,
إذ ليس هناك مايشغلها أو يلهيها عنه, ودرج في كفالة جده الشيخ الذي كان
يحنو عليه أكثر من حنوه على أبنائه, وقد وجد فيه عوضاً عن أحب أبنائه إليه.
× الذهـــــــاب للمدينه ×
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم السادسه من عمره ارتأت أمُّه أن تذهب به إلى أخوال جده
عبد المطلب بالمدينه من بني النجار , ليرى مكانة هؤلاء الأخوال الكرام ,
وقد كان لهذه الخؤولة اعتبارها لَّما هاجر فيما بعد إلى المدينة , وليقضيا حق الحبيب
المغيب رمسه في تراب المدينة , وأغلب الظن أن تكون الأم حدَّثت ابنها بقصة أبيه ,
ومفارقته الدنيا وهو في شرخ شبابه , وأن الابن تاقت نفسه إلى البلد الذي ضم رُفات الأب .
وخرجت الأم والابن ومعهما أم أيمن بركة الحبشية جارية أبيه , ووصل الركب إلى المدينه.
وكان المقام في دار النابغة من بني النجار , ومكثوا عندهم شهراً , وزاروا الحبيب الثاوي
في قبره , وحركت الزيارة لواعج الشوق والأحزان في نفس الأم والابن ,
وانطبع معنى اليتم في نفس النبي بعد أن كان لاهياً عنه.
وبعد أن قضوا حاجات النفس عاد الركب إلى مكة , وفي الطريق بين المدينة ومكة
مرضت الأم , وحُمَّ القضاء , ودفنت بقرية ( الأبواء ) ,
وجلس الابن يذرف الدمع سخيناً على فراق أمه , التي كان يجد في كنفها
الحب , والحنان , والسلوى , والعزاء عن فقد الأب ، وهكذا شاء الله -سبحانه-
للنبي صلى الله عليه وسلم , ولما يجاوز السادسة , أن يذوق مرارة فقد الأبوين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أموراً في زَورته تلك , فقد نظر إلى دار بني النجار
بعد الهجرة قائلاً:
" هنا نزلت بي أمي , وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله , وأحسنت العَوْم في بئر
بني عدي بن النجار ".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما مرَّ بقبر أمه زاره , ويبكي , ويبكي من حوله , ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال:" زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه , فبكى وأبكى من حوله , ثم قال:
" استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي , واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي ,
فزوروا القبور تذكركم الموت ".
* في كفالة جده عبد المطلب *
وبعد موت أم النبي صلى الله عليه وسلم كفله جده عبد المطلب , وضمَّه إليه ,
ورقَّ عليه رقة لم يرقها على ولده , وكان يقربه منه ويدنيه , ويدخل عليه إذا خلا ,
وإذا نام , ولا يأكل طعاماً إلا يقول:" عليَّ بابني " فيؤتى به إليه , وبذلك عوضه الله
بحنان جده عن حنان الأبوين , وكانت حاضنته بعد وفاة أمه هي أم أيمن ,
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما كبر يعرف لها ذلك ويقول:
" هي أمي بعد أمي "
وكان عبد المطلب كثيراً مايقول لها: يابركة لا تغفلي عن ابني , فإني وجدته
مع غلمان قريب من السدرة , وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبيّ هذه الأمة.
وكان الجد يسر لما يرى من مخايل الشرف والعزة على حفيده محمد صلى الله عليه وسلم ,
فقد كان لعبد المطلب فراش يوضع في ظل الكعبة , وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك
حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له , فكان النبي صلى الله عليه وسلم
يأتي وهو غلام يافع فيجلس عليه , فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه , فيقول عبد المطلب ,
والغبطة تملأ نفسه:" دعوا ابني, فوالله إن له لشأناً!! " ثم يجلسه معه على فراشه ,
ويمسح ظهره بيمينه , ويضُّمه إليه.
فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى ابنه أبا طالب بكفالة النبي صلى الله عليه وسلم
وحياطته , (لأن أبا طالب كان أخاً شقيقاً لعبدالله ) ثم مات عبد المطلب , ودفن بالحجون ,
وكانت سن النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين.
* كفالة عمه أبي طالب له *
ثم كفله عمه أبو طالب , ولم يكن أبو طالب بأكبر بني عبد المطلب ,
ولا بأكثرهم مالاً , ولكنه كان أشرف قريش وأعظمها مكانة , وأكرمها نفساً ,
وقد أحب أبو طالب ابن أخيه محمداً صلى الله عليه وسلم حباً شديداً , لا يحبه أحداً من ولده ,
فكان لاينام إلا إلى جنبه , ويخرج فيخرج معه , وصَبَّ به صبابة ( أي احبه حباً عظيماً )
لم يصبَّ مثلها بشيء قط.
وكان يخصه بالطعام , وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا ,
وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا , فكان إذا أراد أن يؤكلهم
قال: كما أنتم حتى يأتي ولدي , فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم ,
فكانوا يفضلون من طعامهم , فيعجب أبو طالب ويقول: إنك لمبارك.
وكان الصبيان يصبحون رمصاً ( أي جمع أرمص,والرمص قذر يكون في موق العين )
شعثاً ( أي جمع أشعث أي ثائر شعر الرأس ) ,
ويصبح محمد صلى الله عليه وسلم دهيناً كحيلاً .
وقد زاده حباً في نفسه ما كان يتحلى به النبي صلى الله عليه وسلم في صباه من
طيب الشمائل , وكريم الآداب في هيئة الأكل , والشرب , والجلوس , والكلام ,
مما يعز وجوده في هذه السن بين الصبيان , ويدل على أن الله سبحانه
فطره من صغره على خير الخلال والآداب.
.. وأتَمنَى أَنْ تَسْتَمْتِعُوا بِمَا سَطْرَتْهُ لَكُمْ ..
/
,’, دلوعة ابوها ,’,
__________________
,, ــــــــ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ــــــــ,,
لا تنسوني من دعواتكم الطيبه